يقول عقبة بن عامر كنا اثني عشر رجلاً ، ممن أسلموا ، نقيم بعيداً عن المدينة ، لنرعى أغنامنا في بواديها ، فقال بعضنا لبعض : لا خير فينا إذ نحن لم نقدم على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، يوماً بعد يوم ، ليفقهنا في ديننا ، فليمض ، كل يوم واحد منا إلى يثرب وليترك غنمه لنا فنرعاها له .
فقلت اذهبوا أنتم إلى رسول الله ، واحداً بعد آخر ، وليترك لي الذاهب غنمه ، لأني كنت شديد الإشفاق على غنيماتي ، من أن أتركها لأحد ، فطفق أصحابي يذهبون على رسول الله .
فإذا جاء أخذت منه ما سمع ، وتلقيت عنه ما فقه ، ولكنني ما لبثت أن رجعت إلى نفسي وقلت لها : ويحك يا نفس ! أمن أجل غنيمات ، لا تُسمن ولا تغني ، تفوّتين عليك صحبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأخذ عنه مشافهةً ، من غير وساطة ، ثم تخليت عن غنيماتي ، ومضيت لأصحب رسول الله .
لم يكن يخطر على بال عقبة بن عامر حين اتخذ هذا القرار ، الحاسم أنه سيغدو بعد عقد من الزمان ، عالما ً من أكابر علماء الصحابة وقارئاً من شيوخ قرَّائها ، وقائداً من قواد الفتح المرموقين ، ووالياً من ولاة الإسلام ، وطليعةً الجيش الذي يفتح أمَّ الدنيا وقتها ـ دمشق ـ ويتخذ لنفسه داراً بين رياضها النضرة .
ثم يكون بعدها أحد القادة الذين سيفتحون زمردة البلاد مصر، ثم أصبح والياً عليها ويتخذ لنفسه داراَ ، في سفح جبلها المقطم ، وبعدها اشترك هذا الصحابي الجليل في قيادة حملة بحرية ، لفتح جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط .
ماذا نقول ؟
لقد صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما قال : ( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه ).
وقد ورد في الحديث القدسي :
( من شغله ذكري عن مسألتي ، أعطيته فوق ما أعطي السائلين ) .