كان عدد الصحابة في غزوة تبوك ، حوالي ثلاثين الف مقاتل . ما الذي جعل هذا الحشد الهائل يمتثل لأمر الرسول ، وينقادوا طواعية ، مع شدة الظروف المناخية وقلة ذات اليد ؟ من العجيب للمتأمل أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أطلق صيحته وانطلق . لم يترك وراءه من يسوق الناس قسرا بالسياط ، كما هو معهود في أنظمة الجيوش قديما وحديثاً .
يقول الجنرال الإنجليزي الشهيرمنتجمري : ( إن الجيوش تتحرك إلى المعارك وميادين القتال على بطونها ) أو كلمة مماثلة .
كلمة صادقة تمثّل واقع الجيوش المعاصرة التي تحارب بدون قناعة بالأهداف التي تحارب من أجلها ، فقد أظهرت لنا وقائع الحرب العالمية الثانية والحروب التي تلتها حتى الآن : أن الجندي المقاتل أكثر تنعما ً ورفاهية من أي وقت مضى ، وأكثر تعرضاً لانهيار معنويته وضعف كفاءته وأداءه القتالي ، لأي إخلال أو تقصير في هذا الجانب .
وهو في الغالب لا يقاتل عن رغبة وقناعة في الأهداف التي يقاتل من أجلها ، ولكنه كما ذكر المرشال منتجمري : يجر نفسه إلى ساحات القتال ، لما يرى من مميزات مادية سخية تعود عليه قبل وبعد المعركة .
أما الجيوش الإسلامية التي تقاتل تحت راية العقيدة القتالية ذات الصبغة الإسلامية ، لم تكن قضية البطون أو المنافع المادية هي المحرك الهذه الجيوش . في غزوة تبوك مثلاً لم يكن النبي يملك الأسباب المادية لتأمين متطلبات الجيش من المواد الغذائية والعتاد العسكري ووسائل النقل .