اعلم أن أحد من المخلوقين : لا يقصد منفعتك ، بالقصد الأول ، بل إنما يقصد بالدرجة الأولى منفعته بك ، وقد يكون في ذلك ضرر ، إذا لم يراع المحب العدل ، فإذا دعوته فقد دعوت من ضرُّه أقرب من نفعه .
أما الرب سبحانه : فهو على خلاف ذلك : فهو يريد منفعتك لا لينتفع بك ، وذلك منفعة لك محضة لا ضرر
فيها ، فتدبر هذا حق التدبر وراعه حق الرعاية .
فالمخلوق إنما يريد انتفاعه بك عاجلاً أم آجلاً ، فهو يريد نفسه لا يريدك ، ويريد نفع نفسه بك لا نفعك بنفسه .
فتأمل ذلك فإن فيه منفعة عظيمة وراحة ويأساً من المخلوقين ، وسداً لباب عبوديتهم .فما أعظم حظ من عرف هذه المسألة ورعاها حق
رعايتها .
ولا يحملنك هذا على جفوة الناس ، وترك الإحسان إليهم ، واحتمال أذاهم ، بل أحسن إليهم للهِ تعالى لا لرجائهم ، فكما لا تخافهم لا ترجوهم .
واعلم أن هذا النوع من التعامل ، يرجع إلى نقص مستوى الإيمان وقلة الفهم في أعظم مقاصد الإسلام في تحصيل الجانب الأخلاقي في سلوك المسلم .
قال الله تعالى في وصف نبيه – صلى الله وسلم وسلم – :
( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .
ومن أدرك هذه الحقيقة فجدير به أن يعيد ترتيب أساس تعامله ، فيستحضر رقابة الله تعالى دائماً ويجعل كل علاقاته مع الناس من باب الإحسان إليهم ، لينال العوض من الله تعالى .
ويستريح من عناء النفاق والتزلف ، فكل مراداته ينبغي أن يطلبها من الله تعالى ، بعد أن يستكمل عبوديته إليه تعالى .