أسال نفسك في زيارتك للمستشفايات : من الذي حرم هؤلاء من العافية ، وزج بهم في عالم الأسقام والآلام ؟
إذا كانت زيارتك للمستشفيات لا تكفي لترقيق قلبك ، وهذا هو الغالب فأضف إلى ذلك ، إذن زيارة القبور ، هناك حيث ينام الوزير ، وسائق التاكسي ، جنباً إلى جنب .
وتأمل في حال الجنائز وهي تُحمل إلى الحفرة التي تنتظرها ، تأمل في حال من هو ممدد داخل النعش لعلها : فتاة كانت مثال للقوام والجمال ، ربما كانت لها عينان تأسر القلوب وقامة تسكر العقول .
كانت بالأمس : النجمة الأولى على الشاشات ، تلاحقها الكاميرات أينما حلت .
ما لها اليوم وقد استحالت في هذا النعش إلى شبح مرعب ؟ ، أين غابت عنها سحر تلك العيون ؟ ومن الذي استل منها تلك النضارة وذلك الجمال ،
وأبدل بهما هذا الهيكل العظمي المخيف؟.
أو لعل الذي في داخل النعش قائد عظيم ، كان ذا سطوة قاهرة ، وأحكام لا لا تقاوم ، قد ملاء الدنيا فساداً و طغياناً ، الرأي رأيه ، والكلمة له
مفاتيح السجون والمعتقلات لمعارضيه معلقة في مكتبه .
من يجرؤ الكلام أمامه ، لو عارضه الشعب كله لأبادهم وسحب جنسياتهم ودمر ممتلكاتهم ، وأحرق الأخضر واليابس ، ماله اليوم هامد ساكن في لفافة ، لوقدرت بفلسٍ لكان الفلس أغلى .
لقد غابت هذه المشاهد ، على طاغية العصر ، الذي أساء للعرب ، والإسلام ، وجعل من سوريا وشعبها أكبر مأساه في العصر الحديث .
قالوا إن فرعون : قتل الأبناء وأبقى الحياة على النساء والشيوخ ، وأما هذا فدمر المدن على ساكنيها بالبراميل المتفجرة ، وأجهز على من نجى منهم بالغازات السامة ،
فرعون خاف من طفل يولد من بني إسرائل ، يقضي على ملكه ، أما هذا فخاف من الشعب كله .
ولم يعتبر بماحل برفقائه في الجامعة العربية ، الذين رحلوا وتركوا أبناءهم وأسرهم ، بين قتيل ومشرد في كل القارات .