الأسبوعية على صعيد عرفات يروي لنا من أعجب مشاهداته في عرفات في سابق زمانه : قال : في البقعة التي كنت أقف فيها ، رأيت أكثر من خمس عشرة جنسية مختلفة في مكان لا يزيد عن امتار: التركستاني والباكستاني ومن كازاخستان وغينيا، وغيرهم ، كلهم يتصافحون ويتبادلون عبارات الود ، ويهنيّ بعضهم بعضاً. وعلى بعد خطوات ، أكثر من ستين هندياً يلتفون حول مطوف هندي ، وهو يقرأ لهم الدعاء العربي من كتاب في يده ، وهم يرددون خلفه وهم يبكون ، وهم قطعا لا يفهمون العربية . كل واحد يشعر أنه يخاطب الله بهذه الحروف وأنه في حضرة الله وفي رحابه . وأنه يقف حيث كان يقف محمد . وعد علمت ان هؤلاء من أفقر طائفة هندية ، وأنهم جاءوا الى مكة على الأقدام ، وعلى جمال . وعلى بعد خطوات ، كان هناك ، هندي آخر ، قال المطوف أنه مهراجا من أصحاب الأطيان والملايين ، بذات ملابس خادمه البيضاء ، ويبكي معه بذات الخشوع . كلهم فقراء الى الله ، إن الملايين لا تعفي أحداً من الشيخوخة ، والعمى والمرض والموت . إن السيد وخادمه يمرضان بالأنفلونزا، ويمران بنفس الأعراض ، بل قد نرى السيد ، يعاني أكثر من الخادم ، بسبب الرفاهية ونعومة العيش . ويستنجد بعشرات الأدوية ، ويجمع حوله أمهر الأطباء ، فلا يفعل له العلم شيئاً ويموت قبل خادمه . من منا ليس فقيراً إلى الله ، وهو يولد محمولاً ، ويذهب إلى قبره محمولاً ، وبين الميلاد والموت ، يموت كل يوم : بالمنغصات والمكدرات ، وشقاء الحياة ، والجري الذي لا ينتهي وراء الدنيا . أين الأباطرة والأكاسرة والقياصرة وأرباب الدنيا ؟ وهم وخدمهم ، وملايينهم تحت الرمال ، السيد والخادم والظالم والمظلوم كلهم رقدوا معاً . والقاتل والمقتول ، والمنتصر والمهزوم ، أنتهى الغرور ، وانتهت القوة ، وانتهت الفرعنة . المطالب العالية :