المصيبة الكبرى لهؤلاء التائهين عن الله أن بعضهم يسأل بلغة التعالي الفرعونية ، ما الذي يدفعني من أن أشهد أنه لا يوجد في الكون إلا محسن واحد هو الله ، ويبعدني عن استغنائي عن نفسي وقدراتي وأموالي وسلطاني ؟
الإلحاد ليس قراراً عقلياً يتخذه الملحدون ، بعد نظر وتفكير ، ولكنه حالة نفسية بل هو مرض نفسي يعتري صاحبه من جراء الطغيان الذي يسري في كيانه .
( كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى ) . (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) .
إذا كان خطاب الله تعالى المتكرر في القرآن ، لم يحررك من وهم استغنائك واستقلالك عن الله فقد ضللت ضلالاً بعيداً ، فقد يتطلب الأمر منك والحال هذه القيام بزيارة المشافي والإطلاع على أحوال المرضى ، ستجد فيها من كانوا أشد بأساً ، وأوفر غنى منك ، ولكن قضاء الله جردهم من بأسهم وعافيتهم ، وأحال كل واحد منهم إلى كتلة من الذل والصغار ، ثم اسأل نفسك من الذي قهر هؤلاء ، وجردهم من العافية والقوة والنضارة .
ثم اسأل من شئت منهم عن قيمة كنوز الدنيا كلها ، أمام العافية التي سُلبت منهم يقل لك هات العافية ، وخذ مقابل ذلك كل ما أملك من مال وكنوز .
ثم عد إلى ذاتك واسأل نفسك أموقن أنت أنك لن تفتح عينيك صباح غدٍ لتجد نفسك ممدداً على سرير من أسرة هذه المشافى ؟ ألا تسأل نفسك وأنت معافى الآن : من الذي يملك أن يفعل بك ذلك ؟ . أليس الله هو الذي زج بهؤلأ في عالم الأسقام والذبول والضعف ، مع قوة سلطانهم وأموالهم .
وإن كانت زيارة المشافي لا تكفي لترقيق قلبك ، قم بزيارة القبور ، وتأمل في حال الجنائز وهي تُحمل الى الحفر التي تنتظرها ، تأمل في حال من هو ممدد داخل النعش ، لعلها فتاة كانت مثال للنضارة والجمال وحالها اليوم وقد استحالت في هذا النعش إلى شبح مرعب ، أين غاب عنها سحر تلك العيون ، وأبدل بهما هذا الهيكل العظمي المخيف .
تأمل هذا كله ثم أسأل نفسك : أمطمئن أنت إلى أنك محصّن في غناك ضد هذا المصير ، الذي آل إليه من هو أوسع منك غنى وأشد منك قوة وأرسخ سلطاناً ،
فاعلم أنك في قبضة الله ، هذا هو العلاج الذي من شأنه أن يجعلك تشعر بضعفك وحاجتك الى الله تعالى . ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة )