مواقف : طلب الأب من ابنه أن يذهب به إلى العالم الكبير الجنيد ، ليسمع منه فقد قسى قلبه ، فقال للجنيد : أوعظني فقد شعرت بالقسوة في قلبي؟ فقرأ عليه الجنيد الآية . ( أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ) .
فسقط الأب مغشياً عليه ، فقال الإبن ما هذا يأبت ؟ فقال الأب : يابني ما الحزن إلا على خير الآخرة ودمع العين من هيبة الله يوم الموقف !! لقد قرأ لنا آية لو فهمتها لبقى لها في قلبك كلوم .
معانب دقيقة : قد يسأل سائل : لماذا نتكبد المشاق لنذهب إلى الله في رحلة الحج ؟ ولماذا هذه الهجرة المضنية ، والله معنا في كل مكان ؟ بل هو أقرب إلينا من حبل الوريد . وهو القائل : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) .
والحقيقة أن الله تبارك وتعالى قريب منا بالفعل وأقرب إلينا من الدم في أجسادنا ولكننا مشغولون على الدوام بغيره . الله تبارك وتعالى لا يقيم دوننا الحجب ولكننا نحن الذين نقيم هذه الحجب بيننا وبينه بشواغلنا وهمومنا وأهوائها تلُفنا حجب كثيفة من الرغبات .
لعل الهجرة والسفر إلى مكة على القدمين ، وتكبد المشاق والنفقات هي وسيلة مادية للخلوص من هذه الشواغل وتفريغ القلب لذكر خالقه وتحريك الحواس على حقيقة هذا القرب من الله .
يخبرني أحدهم : أنه شاهد ستين هندياً يلتفون حول مطوف هندي ، وهم يرددون خلفه الدعاء وهم يبكون ، أخبره أحد المطوفين : ان هؤلاء الستين جاءوا إلى مكة على الأقدام وعلى جمال ، وبعضهم جاوز الثمانين ، وبعضهم كُف بصره ، وبعضهم كان يحمل بعضاً .