حينما وصل أبو سفيان إلى المدينة بعد معاناة السفر من مكة ، كان من الطبيعي أن يقصد بيت ابنته أم حبيبه أم المؤمنين زوج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لزيارتها بعد طول العهد بها ، ولعل قريش اختارته لما بينه وبين رسول الله من وشائج المصاهرة ، الأمر الذي يسهل مهمته التي جاء من أجلها .
ودخل على ابنته وهو ينتظر منها الإكرام والتعظيم كأبٍ وشريف ، وقائدٍ لقومه ولكنه وجد الأمر خلاف ما كان يتوقع ، فما أن اتجه إلى الفراش ليجلس عليه حتى سارعت ابنته وطوته دونه ، فهتز الرجل ، وشعر بالطعنة تخترق كبريائه ، وهو ليس رجل عادي من عآمة الناس ، بل هو أب ومن عظماء قريش .
ولكن الوالد الزعيم المتعب من عناء السفر الطويل ، بادرها قائلاً : ( يا بنية ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبتِ به عني ؟ ففاجأته ابنته بما لم يتوقعة منها منها .
قالت : ( بل هو فراش رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنت مشرك نجس ) .قال لها : ( والله لقد أصابك بعدي شر ) وغادر المنزل .
فهذا الموقف من أم المؤمنين ، ينم عن فقه في الدين وإيمان صادق ، وإحساس دائم بالرقابة الإلهية ، وأنه لا مساومه ولا مداهنة في الإسلام ، وأنها رضي الله عنها قد بلغت المقام الرفيع في الكمال الإيماني ، والرقي الروحي .
فكان الله تعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحب إليها من مما سواهما ، ولو كان أباً . وكان في مقدورها أن تجامل أباها ولو برهة من الزمن ، لا سيما والرسول غير موجود عندها ، ولا أحد في المنزل يمكن أن ينقل خبرها ، ولكنه الإيمان العميق بالله تعالى واستشعار مرقبته .