يصف لنا معروف الكرخي : السعادة الروحية التي تحف بالقريب من الله فيقول : رأيت رجلا بالبادية يمشي بلا زاد ، فقلت له : إلى أين تريد ؟ قال : لا أدري. قلت : هل رأيت رجلاً يريد مكاناً لا يدريه ؟ قال : أنا هو .
قلت : فأين تنوي ؟ قال مكة … قلت : تنوي مكة ولا تدري أين تذهب ؟ قال نعم، وذاك لأني كم مرة أردت أن أذهب إلى مكة … فسيّرني إلى البصرة ! وكم مرة أردت البصرة فيردني إلى مكة ! قلت : من أين المعاش ؟ قال : من حيث يريد… يجوعني مرة والطعام حاضر ، ويشبعني مرة والطعام غائب .
حال صاحبنا هو حال من انعقدت صلته بالله . فهو لا يعرف لنفسه إرادة إلا ما يريد به خالقه ، ولا يتزود إلا بالتقوى وليفعل الله به ما يشاء ، فهو قد علم أنه لا عبرة بالطعام ، فقد يوجد الطعام بوفرة ويجد معه المرض الذي يصده عنه ، وقد يوجد الكفاف ويوجد الشبع ، وقد يوجد الصوم ومعه الاكتفاء المشبع بصحبة الخالق والائتناس به .
ولا يفهم من هذا بالتواكل : لأن الرجل يصف ما بينه وبين الله وليس ما بينه وبين الناس وهو نفسه الذي يثور على الحاكم الظالم ، فالامتثال لله شيئ غير الامتثال لعباد الله فخادم الله هو أول من يثور على عباد الله دون خوف .
الخائف من الله لا تساوي عنده الدنيا شيئاً ، فهو أول من يضحي بها وبنفسه تحت ظلال السيوف في سبيل كلمة حق ، لأن الله عنده هو الحق : وحب الله هوالموت في سبيله .