شعوري عندما رأيت الكعبة لأول مرة مما لا أجد له كلمات توصفه ، لقد كدت أذوب حباً ، وقفزت بي اللحظة فوق حاجز العقل ، وجاوزت بي الحدود والتفاصيل لتضعني على ذروة ، أرى منها رؤية كلية فوق الجمال المطلق ، والحب المطلق .
قد يسأل سائل : لماذا نتكبد المشاق لنذهب إلى الله في رحلة الحج والعمرة ؟ ويقول: ولماذا هذه الهجرة الشاقة ، والله تعالى معنا في كل مكان ؟ بل هو أقرب إلينا من حبل الوريد . وهو القائل : إنه : ( فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) .
والسؤال وجيه .
والحقيقة أن الله قريب منا بالفعل وأقرب إلينا من الدم في أجسادنا ، ولكننا مشغولون على الدوام بغيره ، إنه لا يقيم دوننا الحجب ولكننا نحن الذين نقيم هذه الحجب ، بشواغل نفوسنا وهمومها وأهوائها .
والرحلة إلى مكة قطعاً تكبدنا المشاق والنفقات ، وهي وسيلة مادية للخلوص من هذه الشواغل وتفريغ القلب لإيقاض الحواس على حقيقة هذا القرب من الله تعالى . فإذا عرف العبد ربه حق المعرفة ، سوف يدع الخلاف معه .
وسوف يدع الخلاف بينه وبين الخلق فيكف أذاه عنهم ومنازعتهم في صغير الأمور وكبيرها ، فيعيش معهم حياة الود ويترفق بهم ويشفق عليهم . وسوف يدع الخلاف بينه وبين نفسه ، ويصل إلى حالة من الوحدة ، فيقول ما يبطن ، ويفعل ما يقول ، فيصبح ظاهره وباطنه في انسجام مع ملكاته .