( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) .
هذا الخبر صادر من صاحب الشأن ـ جل جلاله ـ يحكي لنا هذا الإنقلاب المهول في الكون ، ولا يقتصر الهول على حمل الأرض والجبال ، ودكهما دكة واحدة ، فالسماء في هذا اليوم الهائل ليست بناجية .
يقول سيد قطب :
(يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) : ــ
فالكل مكشوف الجسد ، مكشوف النفس ، مكشوف الضمير ، مكشوف العمل ، مكشوف المصير . تسقط جميع الأستار التي كانت تحجب الأسرار ، وتتعرى النفوس تعري الأجساد ، وتُبرز الغيوب بروز الشهود ، ويتجرد الإنسان من حيطته ومن مكره ومن تدبيره ومن شعوره .
ويفتضح منه ما كان حريص على ستره حتى عن نفسه ، ما أقسى الفضيحة على الملاء ، وما أخزاها على عيون الجموع ، أما عين الله ، فكل خافية مكشوفة لها في كل حين .
وكل شيئ بارز في الكون كله ، الأرض مدكوكة ممسوحة لا تحجب شيئاً وراء بروز ولا نتوء : ألا أنه لأمر صعب عصيب .
وإن طبيعة الإنسان لمعقدة شديدة التعقيد ، ففي نفسه منحنيات ، ودرب تتخفى فيها نفسه ، وتتدسس بمشاعرها ونزواتها وخواطرها وأسرارها وخصوصياتها ، إنه يصنع هذا وأشد منه ، حين يحس أن عيناً تتجسس عليه فتكشف منه شيئاً مما يخفيه فكيف به وهو عريان بكل كيانه ، الظاهرة والباطنة .