تأمل في بيان الله تعالى ، إذا يخاطبك ، معرَّفاً للدنيا التي تتشبث بها ، تحب فيها وتعادي فيها، كيف يحذرك من التعلق والاغترار بها ، ويهوّن من شأنها ، ويصورلك تفاهتها بأساليب شتى .
( إعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد …) . وفي مكان آخر: ( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) . لقد حكم وقضى رب العزة والجلال : ألا يصفوا خيرها من شر ، ولا تخلوا عافيتها من سقم ولا يسلم أمنها من قلق واضطراب .
ثم انظر إلى حياة الإنسان ، كيف يكون الشطر الأول منها في حالة إقبال إلى نعيم الدنيا ومتاعها ولذائذها ، حيث يكون كل من العافيه والشباب والرغبات الغريزية في إقبال وتصاعد فيغرف منها شبابه بنهم واندفاع .
وبعد قليل يقبل الشطر الثاني منها حاملا معه أطنان من المنغصات وهموم الحياة فتتحول المعادلة من أيام الصفاء والهناء إلى الذبول والتراجع . وصدق الله القائل (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون ) .
فيحل الضعف محل القوة والعافية ، ويغيب الشباب وتظهر تجاعيد المشيب ، وتخمد نيران الشهوات ، ثم تتكون القناعات لدى الإنسان في هذه المرحلة إلى الإعراض عما كان بالأمس مقبلاً عليه ، وتظهرالحقائق المغيبة أمام العين ، فيدرك الآن معني ما ورد في الآية السابقة .
ومظهر هذا اللطف الرباني في الطور الثاني هذا يكون سبيلاً إلى تهيئة النفس للرحيل ، وتمهيدا لمرحلة الفطام عن متع الدنيا ونعيمها ، إذ يزداد مللاً وسآمة من مغرياتها كلما قربت خطواته من الموت ، فإذا أقبل إليه الموت وسمع الداعي إلى الرحيل ، فلا يكون عندئذ في نفسه وأمام ناظريه ما يشغله عن المصير .