قال الله تعالى : ( وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذٍ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذٍ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، يومئذ تُعرضون لا تخفى منكم خافية ) سورة الحاقة 14ـ 18.
هذا الخبر صادر من صاحب الشأن : الله جل جلاله وعز سلطانه ، يحكي لنا هذا الإنقلاب المهول في الكون ، ولا يقتصر هذا الهول على حمل الأرض و الجبال ودكها دكة واحدة ، فالسماء في هذا اليوم الهائل ليست في مأمن من هذا الإنقلاب الكوني ، فالسماء تتشقق والكواكب تتناثر .
يقول سيد قطب رحمه الله :
يومئذٍ تُعرضون لا تخفى منكم خافية :
فالكل مكشوف الجسد مكشوف ، النفس مكشوفة ، الضمير مكشوف ، العمل مكشوف ، المصير مكشوف . وتسقط جميع الأستار التي كانت تحجب الأسرار، وتتعرى النفوس ، كما تعرت الأجساد ، وتبرز الغيوب بروز الشهود ، ويتجرد الإنسان من حيطته ، ومن مكره ، ومن تدبيره ، ومن شعوره .
ويفتضح منه ما كان حريصاً أن يستره في دنياه حتى عن نفسه ، لا غموض ولا تكتم ، انفلتت السلطة من يديه ، حتى جوارحه تتمرد عليه وتنحاز إلى جانب الرب . ما أقسى الفضيحة على الملأ ، وما أخزاها على عيون هذه الجموع ، والحشود الهائلة ، أما عين الله فكل خافية مكشوفة لها في كل آن .
وإن طبيعة الإنسان لمعقدة شديدة التعقيد ، ففي نفسه منحنيات ومسارب ودروب تتخفى فيها نفسه ، وتتدسس بمشاعرها ونزواتها وخواطرها وأسرارها وخصوصياتها ، إنه يصنع هذا وأشد منه ، حين يحس أن عيناً تدسست عليه فكشفت منه شيئاً مما يخفيه ، فكيف به وهوعريان بكل كيانه ، الظاهره والباطنة .
أقول : هذه نافذة صغيرة فتحها الله تعالى ، ليكشف للبشرية خبر ما يحصل في مستقبل الزمان ، ليكونوا على بصيرة من أمرهم ، كما هو مسجل في اللوح المحفوظ ، ( كل شيئ عنده بمقدار ) .