مأساة الإنسان
كلما كبر الإنسان في السن تَكبرُ معه نزواته وحبه للعربدة إلا أهل البصائر الذين ينشأون على حب الفضيلة والقيم الأخلاقية ، فالحادث الذي تسبب في قطع ساقه لا تقتل رغبته في المشي ، وعندما يضعف سمعه لا يزهد في الطرب ، وحينما يضعف بدنه لا تموت شهوته ، وعندما تسقط أسنانه تزداد رغبته في أكل اللحم .
ومن لم يتمرس كبح نفسه صبياً لن يقدرعلى ذلك كهلاً . وسوف تتحول لذته فتصبح عين مهانته ، إذا طال به الأجل ، ولهذا ترى أن الله تعالى يطيل آجال بعض المسرفين ليكونوا مهزلة ، وليصبحوا حكاية ونكتة تتندر بها الآجيال للاعتبار ، بعد الهيلمان والجبروت والإفساد والتعالي على خلق الله .
حينما يتطاول العمر بالفجار والفساق والعتاه ، فيصبح الواحد منهم طفلاً يتبول على نفسه وكسيحاً يحبو ، وتسقط أسنانه ، ويصبح شيئا ثقيلاً ، وكومة من القمامة ، ويتهرب منه الكل ، وينفضّ الناس عن زيارته . ولا يذكره أحد وكأنه دابة نفقت وقُذف بها في حفرة .
هذا هو التنكيس في العمر الذي ذكره القرآن : ( ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون ) .
هل يعي هذه الحقيقة الجبابرة والطغاة الذين ارتفعوا كثيراً وتعالوا بسلطانهم وأموالهم ، وامتدت مظالمهم عبر البلاد ؟. إنهم لا يقرؤون التاريخ ولا يعتبرون بالأحداث من حولهم ، يكرهون كلمة الحق وينفرون من الموعظة ، ولا يريدون رؤية الصالحين .
هكذا العبرة بالنهايات، والله تعالى: لا يعاجلهم ، ولكن يمدهم في الأجل لعل وعسى .
المطالب العالية