(( وإني مخبرك عن صاحب لي ، كان من أعظم الناس في عيني ، وكان تعظيمه في عيني : لصغر الدنيا في عينه .
كان خارجاً من سلطان بطنه ، لا يتشهى ما لا يجد ، ولا يكثر إذا وجد .
كان خارجاً من سلطان لسانه ، فلا يقول ما لا يعلم ولا ينازع فيما يعلم ، كان أكثر دهره صامتاً ، كان لا يدخل في دعوى ولا يشترك في مراء ولا يدلي بحجة : حتى يرى قاضياً عدلاً وشهوداً عُدولاً كان لا يشكو وجعه ، إلا من يرجو عنده البرء ، ولا يستشير صاحباً إلا من يرجو عنده النصيحة الصادقة ، وكان لا يتبرم ولا يتسخط ولا يتشكى .
وكان لا ينقم على الرفيق المحب ، ولا يغفل عن العدو المخاصم ، ولا يخص نفسه دون إخوانه بشيء من اهتمامه )) .
إذا كان تعظيم ابن المقفع لصديقه : لصغر الدنيا في عينه : فنحن في المقابل : قد كبرت الدنيا في عيوننا وأتعبنا ساحة القضاء : من حجم الخلافات، بين الاخوان
وأبناء العمومة ، والأصدقاء على الدنيا .
ولهذا اخترت وصف الصديق لابن لمقفع : لعلك تجد في هذا الزمان مثل هذا الصديق ، ولا أرى أن هذا متاح لك إن أطقت – ولن تطيق – .