الأسبوعية
الرجل الجسور
: يقول الغزالي رحمه الله : أنا الآن في سن الخمسين ، اقتحم لجة هذا البحر العميق ، وأخوض في أعماقه ، خوض الجسور ، الذي لا يهاب الموت ، ولا تصده المهالك . وأتوغل في كل مظلمة ، والتهجم على كل مشكلة ، واقتحم كل ورطة ، وأتفحص عقيدة كل فرقة .
واستكشف أسرار مذهب كل طائفة لأميز بين محق ومبطل ، لا أغادر باطنياً إلا وأحب أن أطلع على باطنيته .
ولا ظاهرياً : إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته ، ولاصوفياً : إلا وأحرص على العثور سر صفته . ولا زنديقاً معطلاً : إلا وأتجسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته في تعطيلة وزندقته .
ولما فرغت من دراسة كل هذه المذاهب ، ظهرت عندي أسباب وقرائن ، وتجارب ، لا تدخل تحت الحصر :
أنه لا مطمع لي في سعادة الآخرة إلا بالتقوى ، وكف النفس عن الهوى وأن رأس ذلك كله : قطع علاقة القلب عن الدنيا . وذلك بالتجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والإقبال بكامل الهمة على الله تعالى .
وأن ذلك لا يتم إلا بالإعراض عن الجاه والمال ، والهرب من الشواغل والعلائق ، التي أوثقتني ، وأنشبت أنيابها في جسمي .
هذه لقطة : من سيرة هذا الإمام الكبير، الذي أشغل الدنيا في حياته وبعد مماته . وقد ترجمت بعض كتبه إلى الألمانية والفرنسية والإنجليزية .
المطالب العالية ابو نادر