في الحديث : أنه قيل لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أيكون المؤمن كذاباً ؟
قال : لا .
قال بن القيم : إياك والكذب فانه يفسد عليك تصور المعلومات على ماهي عليه ويفسد عليك ، تصويرها وتعليمها للناس ، فان الكاذب يصور المعدوم موجوداً والموجود معدوماً ، والحق باطلا ، والباطل حقاً ، والخير شراً ، فيفسد عليه تصوره .
ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق واضدادها من : الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها ، أصلها الكذب فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشأه الصدق ، وكل عمل فاسد ظاهر أوباطن فمنشأه الكذب .
وكان الصدق في صدر الإسلام أساساً في القول والعلم والمعاملة ، وخصوصاً فيما يتعلق بالدين وحفظ الحديث .
ومثال : ما ذكر عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه سمع بوجود حديث عند عالم بدمشق ، فسافر إليه من بغداد حتى وصل دمشق ، فمكث مدة ، يسأل عن العالم وعن أخلاقه ومعاملته وكلامه .
حتى إذا وثق من صدقه أتاه مبكراً ، بعد أن أغتسل وتطيب ولبس أحسن ثيابه
إجلالاً للحديث ومن يحمله .
ولما أقترب من بيته وجد العالم خارجاً من بيته ، يقود حماره ، وقد كان حمالاً يكتسب رزقه ، فرفض الحمار أن يسير معه ، فحاول أن يجره أو يسوقه بمختلف الوسائل ويأبى الحمار.
فجمع له طرف جبته وقدمه للحمار ليوهمه أن في الجبة شعيراً أو نحوه فتبعه الحمار ، فنظر الإمام أحمد إلى الجبه فوجدها خالية من أي شئ . فترك أحمد العالم والأخذ عنه حيث تبين له ، كذبه على الحمار : فلا يؤتمن عل الحديث الشريف . فرجع ولم يفاتح هذا العالم بالغرض من مجيئه .