التدبر: هو الفهم لما يتلو العبد من قرآن ، وما ينطق به من ذكر ، ودعاء ونحو ذلك والتأمل في المعاني والمرامي، وأن يقيس المسلم نفسه على ما يتلوه من الأوامر والنواهي ، ليعرف حاله ومدى تقصيره في هذا الجانب .
ولذلك يستحب للعبد أن يكرر بعض الآيات الكريمة ويرددها أثناء تلاوته ، ليكون ذلك أدعى للتدبر والخشوع ، ولا يكون همه المضي في القراءة كيف ما اتفق .
روى أبو ذر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( قام بآية يرددها حتى أصبح ، وهي قوله تعالى : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) .
وعن تميم الداري أنه كرر هذه الآية حتى أصبح : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئآت أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) .
وعن عباد بن حمزة قال : ( دخلت على أسماء رضي الله عنها ، وهي تقرأ : ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ) . فوقفت عندها ، فجعلت تعيدها وتدعو ، فطال على ذلك ، فذهبت إلى السوق ، فقضيت حاجتي ثم رجعت ، وهي تعيدها وتدعو .
وعن يحبى القطان أنه قال : ( قام الإمام أبو حنيفة بهذه الآية يرددها ، ويبكي ويتضرع ، ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) وبالغ في آية : ( الهاكم التكاثر) ورددها حتى الصباح .
وهكذا كان حال الرسول والصحابة والسلف الصالح في تلاوتهم للقرآن ، وذكرهم لله تعالى ، لهم فيه حنين وأنين ، ونشيج وبكاء ، إذا مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقاً إليها ، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه
قال الإمام الغزالي :ـ
الطريق لاستجلاب البكاء واستحضار الخشوع ، وهو أن يستحضر في قلبه الحزن بأن يتأمل ، ما في القرآن ، من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود ، ثم يتأمل تقصيره في أوامر الله تعالى وزواجره فيحزن لا محالة ويبكي ، فإن لم يحضره حزن وبكاء فليبك على حاله فذلك : أعظم المصائب .