– في الناس من يحصر همه كله في علاقته بالناس ، فيتخذ منهم مصدر سروره ، إن هم أقبلوا إليه بالإعجاب والثناء ، ويجعل منهم مصدر كآبته وحزنه ، إن هم واجهوه بالذم والانتقاص ، دون أن يقيم في ذلك وزناً لعلاقته بالله تعالى ، مع علمه أن الله عز وجل يراقبه ويعلم بخفايا أحواله .
– ولا ريب أن من كان هذا شأنه ، فسوف يقضي حياته بين احتمالي : الغرور بمدح الناس له ، والألم من انتقاصهم وإذائهم له ، وهو في كلا الحالين خاسر خسارة فادحة .
– فإن استسلامه لثناء الناس عليه وإعجابهم به ، مهلكة عاجلة له ، إذ في ذلك ما فيه من صرفه النظر فيما لا يعرفه الناس من خفايا عيوبه ، وترسيخ لمشاعر استحقاقه لهذا الثناء في نفسه ، بحيث لا يبقى لديه استعداد لسماع نقيض ما تعود على سماعه من ذلك الثناء .
– وإن في تألمه من انتقاص الناس وإذائهم له مهلكة عاجلة له أيضاً . إذ يرى نفسه بسبب ذلك أمام بلاء لا منجاة له منه ، فهو كان قد حجب نفسه عن علم الله به إذن فمصيبته بعدم الالتفات إلى علم الله به ، أشد من مصيبته بوجود الأذى منهم .
– فليس أمامه للخروج من هذا المأزق إلا أن يطرح أمور الناس وراء ظهره فماهم إلا وسايط ، ينقل الله من خلالهم تصاريف أقداره ، فمن أساء إليه فبتقدير الله وإرادته ، وكذلك فيمن يقبل إليه بلسان المدح والثناء ، فله بذلك حكمة بالغة ، وإن لم يكن يعلمها .