قد ندب الله تعالى الدعاء وفيه معانٍ سامية ، منها : الوجود والغنى ، والسمع والكرم والرحمة ، والقدرة ، فإن من ليس كذلك لا يُدعى . فأحبَّ الله أن يظُهر جواهر أهل الإبتلاء ، فقال : لإبراهيم اذبحْ ولدك ، ومكنهم منه ليقذفوه في النار ، ليحملهم على الدعاء واللجوء إليه ، ويحرك فيهم كوامن العبودية .
حتي لا تطلب حوائجك إلا منه ، قال بن عقيل في الفنون : لا تستبطئ الإجابة من الله تعالى لأدعيتك في أغراضك التي يجوز أن يكون في باطنها المفاسد في دينك ودنياك وتتسخط بتأخير تحقيق مُرادك ، مع القطع على أنه سبحانه ، لا يمنعك شُحاً ولا بخلاً ، وقد شهد لصحة ذلك مراعاتُه لك .
ولكن إنما أخر تحقيق مرادك رحمةً لك وحكمة ومصلحة ، قال تعالى : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) .
وأنت العبد المكلف المحتاج تتخلف عن القيام بتأدية أكثر أوامره ، ولا تستبطئ نفسك في أداء حقوقه ، هل هذا انصاف من جانبك ، أن يكون مثلك يبطئ عن الحقوق ، ولا تنكر ذلك من نفسك .
ثم تستبطئ الحكيم الأزليَّ الخالق في باب حظوطك الدنيوية التي لا تدري كيف يكون حالك فيها إذا بادر سبحانه في إجابتك . هل طلبُها فيه عَطَبُ وهلاك ، أو غبطة وصلاح .