انظر : مبادرة نوح عليه السلام الفورية ، لإنذار قومه ، حين تبلغه أوامر الله تعالى ثم تأمل كيف افتتح دعوته لقومه بالنداء ، بهذا التلطف الرقيق ( يا قوم ) وهذا الرفق تمهيد من جانبه لقبول نصحه لهم ، لأن الإنسان يريد الخير لقومه كما يريده لنفسه .
أما قوله : (يغفر لكم من ذنوبكم) : دون جميعها : لعل هذا في شريعة نوح ، هو أن يغفر ذنوب الإشراك وما معه ، فيكون الإيمان لا يقتضي مغفرة جميع الذنوب السابقة ، ولا يلزم تماثل الشرائع ، في جميع الأحكام الفرعية ، ومغفرة الذنوب من تفاريع الدين وليست من أصوله .
أما قوله : ( يؤخركم إلى أجل مسمى ) : فهو وعد بخير دنيوي يستوي الناس في رغبته ، وهو طول البقاء في الدنياء ، فإنه من النعم العظيمة ، لأن جبلة الإنسان حب البقاء في الحياة على ما فيها من العوارض والمكدرات ، وهذا ناموس جعله الله في فطرة الإنسان ، لتجري أعمالهم على ما يعين على حفظ النوع .
قال المعري : ـ
وكلُ يريدُ العيشَ والعيشُ حتفهٌ ــ ويستعذبُ اللذاتِ وهي سِمَامُ