يقول الحسن البصري : والله لقد أدركت سبعين بدرياً ـ ممن شهدوا غزوة بدر ـ أكثر لباسهم الصوف . لو رأيتموهم لقلتم هؤلاء: مجانين ، ولقد رأيت أقواماً كانت الدنيا أهون على أحدهم من التراب تحت قدميه .
وقال في مكان آخر : أصحاب رسول الله و أهل الله من بعدهم معذورون في فزعهم الشديد من الدنيا ، فطالما انصتوا للقرآن الكريم وهو يحذر منها ، ويوصفها بدار الغرور .
ثم أن سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمامهم ، تُريهم كيف كان يقضي الشهرين والثلاثة لا توقد في بيته نار تطهو طعاماً .. وكيف كان ينام على حشيّة من لوف ، وكيف كان بعد ان فتحت عليهم الدنيا ، وكثرت مغانمها ، يحرم نفسه وأحب الناس إليه ( فاطمة ) بنته وأهل بيته الأقربين من كل نعيم .
ولقد كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يحرِّم على نفسه طيبات الحياة مادام يؤدي حق الله فيها ، ومادامت لا تلهيهم عن ذكره وعبادته . فلا تثريب عليهم في هذا المسلك .
بيد أنهم جميعاً متفقون على ضرورة الحذر منها ، وعدم الثقة بها ، فوظيفتها الحقيقية عندهم : أنها المكان والزمان اللذان يتخذها العبد الصالح ليهيئ من خلالها لنفسه غداً أبدياً خالداً عند الله رب العالمين . اما ما وراء ذلك ، فهي أكذوبة كبرى ، فهم يحذرونها لأنها في حقيقتها غرور.