قال بعض الشيوخ : إنه ليكون لي إلى الله تعالى حاجة ، فأدعوه فيفتح لي من لذيذ معرفته ، وحلاوة مناجاته ، ما لا أحب معه أن يعجل بقضاء حاجتي ، خشية أن تنصرف نفسي عن ذلك ، لأن النفس لا تريد إلا حظها فإذا قضي انصرفت . هذا المعنى كبير : وهو موجود مذوق محسوس بالحس الباطن للمؤمن .
ولفظ الذوق : يعتقد البعض انه يختص فقط بذوق اللسان ، فاستعماله في الكتاب والسنة يدل على انه اعم من ذلك .
ففي اللغة : أصله الرؤية كما قال الله تعالى : ( هل تحس منهم من أحد) أي : ترى منهم أحد . والمقصود : لفظ ، قال الله تعالى : ( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ) فجعل الجوع مذوقاً .
وهذا الذوق أصحابه متفاوتون ، فالذي يحصل لأهل الإيمان عند تجريد قلوبهم إلى الله ، واقبالهم عليه دون ما سواه لا يحبون شيئاً الا له ، ولا يتوكلون الا عليه ، ولا يوالون الا فيه . ولا يعادون الا له ، ولا يسألون إلا إياه ، ولا يرجون إلا إياه ، ولا يخافون الا إياه .
بحيث يكون عند الحق بلا خلق ، وعند الخلق بلا هوى ، قد فنيت عنهم بإرادة ما سواه بارادته ، ومحبة ما سواه بمحبته ، وخوف ما سواه بخوفه ، وهذا أمر لايعرفه بالذوق والوجد الا من له نصيب .
وهده حقيقة الإسلام الذي بعث الله به الرسل عليهم السلام ، وأنزل به الكتب ، وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاه .