العزلة عن الناس موجبة لسلامة الدين ، وفي خلوة الإنسان بالعلم أُنسه ويسلم دينه من ما تسببه كثرة الإختلاط من الوحشة وضياع الأوقات ، والغفلة .
المقصود : هو انفراد الأنسان عن الناس وأحوالهم وشئونهم بمطالعة كتب العلم من التفسير والحديث والفقه وسيرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتفهم في ذلك وتتبع أيامه وشئونه ، والتأدب بآدابه وأخلاقه ، وذكر غزواته وسراياه .
فإذا كان الأنسان قد منحه الله تعالى طرفاً صالحاً من العلوم وانفرد بها عن ابناء زمانه في خلوته لم يستوحش أبداً ، وكيف يستوحش وهو يمر على اخبار الأوائل وأيامهم ، ويطلع على مدارجهم في سلم العبودية ، وكيف كانوا ينظرون إلى الدنيا والآخرة .
ولا يخفى عليك أن الخلوة عن الخلق إنما تُمدح لمن اتقن أمر دينه وتمكن من مطالعة كتب الرقائق وعلم من العلوم ، ما يعينه على التنعم في العيش مع الله وفي رحاب عبوديته .
كان سعد بن أبي وقاص في إبله وغنمه خارج المدينة ويـتأمل في مخلوقات الله ويذكر الله تعالى ، فجاءه ابنه عمر فلما رآه ، قال اعوذ بالله من هذا الراكب ! .
فقال له : أنزلت في إبلك وغنمك ، وتركت الناس يتنازعون في الملك ؟ ، فضربه سعد في صدره ، وقال : اسكت ، سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ان الله يحب العبد التقي ، الغني ، الخفي ، أي : الغني النفس .