وفيه خباب : قال : ( إن أصحاب محمد مضوا ولم تنقصهم الدنيا شيئاً ، وإنا أصبنا من الدنيا ما لا نجد له موضعاً إلا التراب ) .
قال أهل العلم : هذا السياق فيه تنبيه في أن زهرة الدنيا ينبغي أن يُخشى سوء عاقبتها ، وشر فتنتها من فتح الله عليه الدنيا ، ويحذر التنافس فيها والطمأنينة إلى زخرفها الفاني .
لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خشي ذلك على أمته ، وحذرهم منه لعلمه أن الفتنة مقرونة بالغنى : فقد سمعت الأنصار بقدوم أبو عبيده من البحرين بجزيتها فقال لهم رسول الله : ( أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتلهيكم كما الهتهم ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ويظهر فيهم السمن ) هكذا خشي رسول الله على أمته وحذرهم لعلمه أن الفتنة مقرونة بالغنى .
ودل على أن فتنة الدنيا لمن يأتي بعد القرن الثالث ثم يكون من بعدهم قوم ( يظهر فيهم السمن ) . كذلك خشي عمر بن الخطاب فتنة المال ، فروي عنه : أنه لما أُتي بأموال كسرى بات هو وأكابر أصحابه في المسجد .
فلما أصبح وأصابته الشمس فبكى فقال له عبد الرحمن بن عوف : ليس هذا حين بكاء ، إنما هو حين شكر . فقال عمر : أقول : ما فتح الله هذا على قوم قط إلا سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم . وقال : اللهم منعت هذا عن رسولك إكراماً منك له ، وفتحته عليّ لتبتليني به ، اللهم أعصمني من فتنته .
فهذا كله يدل على أن الغنى بلية وفتنة : وهذا أمر مشاهد في هذه الأزمنة ، لا ترى في أروقة المحاكم إلا خصومات وقضايا بسبب المال .