قد روي عن زكريا عليه السلام : أنه كان يعمل في حائط بالطين ، وكان أجيراً لقوم فقدموا له رغيفاً ـ إذ كان لا يأكل إلا من كسب يده ـ فدخل عليه قوم ، فلم يدعهم إلى الطعام حتى فرغ ، فتعجبوا منه لما علموا من سخائه وزهده .
فقال لهم : إني أعمل لقوم بالأجرة ، وقدموا ليَّ رغيفاً لأتقوى به على عملهم ، فلو أكلتم معي لم يكفيكم ، ولم يكفني وضعفت عن عملهم : فالبصير هكذا ينظر في البواطن بنور الله تعالى .
ما قيل في الإخلاص : ـ
قيل : الإخلاص هو أن يكون سكون العبد وحركاته لله تبارك وتعالى خاصة .
وقيل : الإخلاص هو نسيان رؤية الخلق ، بدوام النظر إلى الخالق فقط .
وقيل : الإخلاص هو ما استتر عن الخلق وصفا عن العلائق .
وقيل : الإخلاص هو إخراج الخلق من معاملة الرب تبارك وتعالى .
وقيل : الإخلاص هو الذي يعمل لله تعالى ولا يحب أن يحمد عليه أحد .
وقيل : الإخلاص هو دوام المراقبة ونسيان الحظوظ كلها .
معاني مختلفة تصب في نفس المعني ، وكثرة التوصيفات تدل على عظمة مفهوم الإخلاص لأنه الضمانة الحقيقة لصلاح الأعمال وقبولها في ميزان الشرع .
أما إذا أردت البيان الكافي الشافي في مفهوم الإخلاص فهو : في قول سيد الأولين والآخرين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إذ سُئل عن الإخلاص ، فقال ( قل آمنت بالله ثم استقم ) .