لعلك فكرت يوما : في أن تعتزل هذا المجتمع ، الذي بات أهله يحسدون كل صاحب نعمة ، ويضيقون بكل إنسان آتاه الله من فضله ، وباتت علاقة الناس فيه : قائمة على المصلحة وحدها ، فلا أثر للمودة والصداقة .
إن النفس البشرية ، تحتاج إلى تزكية طويلة مستمرة ، لتتحرر من كل ما فيها من حسد وغل ، وهما ينغصان صفو الحياة ويفسدان كثيراً من الصداقات ويثيران النزاع بين كثير من القرابات .
قال قتادة : قال علي رضي الله عنه : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ).
وفي الظلال : إن هذا الدين لا يحاول تغيير طبيعة البشر في هذه الأرض : ولا تحويلهم خلقاً آخر . ومن ثم يعترف لهم بأنه كان في صدورهم غل في الدنيا وبأن هذا طبيعة بشريتهم التي لا يذهب بها الإيمان والإسلام من جذورها ، ولكنه يعالجها فقط لتخف حدتها ، ويتسامى بها ، لتنصرف إلى الحب في الله تعالى والكره فيه .
وفي الجنة يُنزع أصل الإحساس بالغل من صدورهم ، ولا تكون إلا الأخوة الصافية الودود ، إنها درجة أهل الجنة فمن وجدها في نفسه غالبة في هذه الأرض ، فليستبشر أنه من أهلها، ما دام ذلك وهو مؤمن .
ويقول القرطبي : النزع : الاستخراج . والغل : الحقد الكامل في الصدور . أي أذهب ما كان في قلوبهم من غل في الدنيا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين ) .