الغالب في أحوال الناس انك لا تطلع على خفايا شؤونهم الخاصة ، ففي هذه الأحوال الخاصة ، ما الذي يدريك انهم غير مواظبين على قربات خفية ؟ ، فعدم علمك بها لا يستلزم عدم وجودها ، فتحكم عليهم على ما تشاهد من ظواهرهم .
فإن كنت لا تعلم شيئاً عن خفايا أكثر الناس . فلعلهم أفضل الناس عند الله تعالى التزاما وسلوكاً ، واعلم أن أكثر ما يحدد قيمة الإنسان عند ربه أوضاعه الخفية التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل . إذ هي تكون صافية عن سلوك التصنع للآخرين والكذب عليهم .
فلماذا تجعل ميزان تقويمهم محصوراً في أحوالهم الظاهرة لك ، دون أن تقيم وزناً لهذا الجانب الخفي الذي هو المعيار الحقيقي للمفاضله ؟ . وهذا لايعفيك من وجوب إنكار المنكر ، إذا تبين لك من أحد الخروج عن جادة الحق ، فاتجه إليهم بالنهي عن المنكر ، والعودة إلى الإستقامة على الحق .
إن الصدق مع الله يتطلب القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : وهذا يتطلب أن تنصح صاحب المنكر وتحذره من مغبة العكوف عليه .
وأن تفترض في الوقت ذاته أن سريرته التي لا يعلمها إلا الله ، ربما كانت خيراً من علانيته التي تطلع عليها ، هذا يكون شأن الربانيين من عباد الله تعالى في نظرتهم إلى الآخرين وتعاملهم معهم : ( كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً ) .