ينبغي للمسلم الجاد : أن يتخذ لنفسه مقياساً ، يميز له بين النعم التي تفد إليه من باب الإكرام الإلهي ، وبين النعم التي تفد إليه من باب الابتلأء والاستدراج .
هذا المقياس يتمثل في عقيدتة وسلوكه ، فمن كان يتلقى النعم على أنها وافدة إليه من الله تعالى : لايخطرفي باله الأسباب ، ولا يقيم لها وزناً ولا يرى لها أهمية ، فمن كان هذا شأنه فهو يعلم أن النعم التي تأتيه من الله تعالى إنما هي تفضل منه تعالى وإحسان ورفع في درجاته .
أما الذي يتلقى النعم عند إقبالها إليه على أنها ثمرة لجهوده وتدبيره وفطنته وتخطيطه وحسن تصريفه للأمور، غافلاً عن المحسن الذي تفضل بهذه النعم عليه ، فعليه أن يعلم أن : استمرار تلك النعم عليه ، مع بقائه على حال الغفلة عن ربه : ليست إلا استدراجاً من الله له ، لينال مزيداً من النكال والعقاب .
واعلم ان الإستدراج كما ينطبق في حال الأفراد ، ينطبق على حال الدول والمجتمعات . وبوسعك أن تعلم إذن أن ما تتمتع به دول البغي والاستكبار اليوم من التقدم الحضاري المادي المتنوع ، إنما هو مظهر استدراج لقوله تعالى : ـ
( .. فتحنا عليهم أبواب كل شيئ ) . و( وذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ) ، ( لايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ، متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) .
من المهم أن نلاحظ : أن سنة الله تعالى جرت في مر الأزمان ، على إهلاك الطغاة المتجبرين ، عندما تتعاظم قوتهم وغناهم . ألا ترى ما حل بقارون ، لما ركن إلى الإستكبار والطغيان ، فاستدرجه الله تعالى إلى المزيد ثم خسف به الأرض .
قال الله عز وجل في شأن الذين تمنوا لو أنهم أوتوا مثل ما أوتي قارون ، حيث قال قائلهم : .( ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظٍ عظيم ) .