يقول بعض العارفين : إذا قرأت القرآن في قيام الليل ، إقرأه في تؤدة وتمهُل ، وتبين حروفه ، حتى تخرج من الفم واضحة مع إشباع الحركات التي تستحق الإشباع ، وفائدة هذا أن يترسخ حفظه ، وتُفهم معانيه ، كي لا يسبق لفظ اللسان عمل الفهم .
( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً . إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ، إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلاً ) .
قال مجاهد : أحب الناس في قراءة القرآن إلى الله أعقلهم عنه . وقال أبو بكر بن طاهر : تدبَّر في لطائف خطاب ربك ، واطلب نفسك بالقيام بأحكامه ، وقلبك بفهم معانيه وسرِك بالإقبال عليه .
( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) :ــ
قال الحسن ابن الفضل : ثقيلاً لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق ، ونفس مزينة بالتوحيد . وقال بن زيد هو والله ثقيل مبارك ، كما ثقل في الدنيا يثقل في الميزان يوم القيامة .
وقيل : المراد ، كلام له وزن ورجحان ، وهو ثقيل على المتأمل فيه ، لافتقاره إلى مزيد تصفية للسر ، وتجريد النظر ، وأن تعطيه كل احاسيسك ومشاعرك ولا يشاركك فيه ، أي أمر من أمور الدنيا .
ونحن لا نتفق ان التكاليف الشرعية شاقة على النفوس ، لأن عبادة الله لابد ان يكون لها مذاق خاص يغمر النفس ويضفي عليها السكينة والهدوء والطماأنينة .
ولذلك روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه إذا حزبه أمر من دنياه وتكدر خاطره ، يلجأ إلى الصلاة . ( أرحنا بها يا بلال ) .
والصلاة فيها قرآن وذكر، وتدبر معاني الفاتحة وما يتبعها من قراءة القرآن .وقد وصف بعض العارفين : أن التكاليف وعبودية الله تعالى والإنصراف اليه با الكلية تعتبر : جنة الدنيا ، من حُرمها فقد حُرم لذة الدنيا والآخرة . فلعل الثُقل على المنافقين والمعارضين ، وعلى الذين لا يقبلون بكليتهم على هذا الكتاب العزيز .