أورد الإمام ابن القيم رحمه الله وصفاً دقيقاً في كيفية المواجهه مع النفس، فقال : جماع ذلك أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض ، فإن تذكر فيها نقصاً تداركه، إما بقضاء أو إصلاح ، ثم يحاسبها على المناهي .
فإن عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والإستغفار والحسنات الماحية ثم يحاسب نفسه على الغفلة ، فإن كان قد غفل عما خُلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله تعال ، ثم يحاسبها بما تكلم به ، أو مشت إليه رجلاه أو بطشت يداه أو سمعته أذناه :
ماذا أردت بهذا ؟ ولمن فعلته ؟ وعلى أي وجه فعلته ؟ . ويعلم أنه لابد أن ينشر له لكل حركه وكلمة ديوانان : ديوان لِمَنْ فعلته ؟ وكيف فعلته ؟ فالأول : سؤال عن الإخلاص ، والثاني : سؤال عن المتابعة .
فالمحاسبة تشمل حياة المسلم ، وكل صغيرة وكبيرة يعملها أو يتركها أو يعزم عليها في قلبه ، وكلما أحكم العبد رقابته على نفسه ، كان أكثر سلامة من شرورها . وقد ورد الأمربذلك في آيات كثيرة ، منها : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كانعنه مسئولاً ) . ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) .
ويشمل ظاهر الإثم وباطنه : كل معصية صغيره أو كبيرة ، ظاهره أو خفية ، كما تشمل معاصي القلب ، من حسد وحقد وسوء ظن واحتقار للمسلم ونحو ذلك .
ولا تتحقق للمرء التوبة من هذه المعاصي إلا بالندم على فعلها ومحاسبة نفسه ومعاتبتها والإقلاع عنها والعزم على أن لا يعود إليها ، ثم ليعلم أن هذه الجوارح والأعضاء أمانة لديه سيُسأل عنها يوم القيامة ، فإن لم يحفظها أهلكته .