الملايين بثياب الإحرام البيض ، لاتعرف من الفقير ومن الغني ، ولا تعرف من التركي ومن العربي ، أختفت الجنسيات واختفت اللغات ، الكل يلهج بلسان واحد. البقعة التي كنت فيها يمكنك أن تميز أكثر من خمس عشرة جنسية مختلفة في مكان لا يزيد على امتار محدودة .
الكل يتكلم العربية في مناسك الحج ، بعضهم ينطقها مكسرة وبعضهم بلكنة أجنبية وبعضهم يأكل بعض الحروف : المهم عندهم أن يهتفوا ( لبيك اللهم لبيك ). والذين لا يعرفون العربية ، تراهم يلتفون حول المطوف ، يرددون وراءه الدعاء العربية .
كل واحد يشعر أنه يخاطب الله بهذه الحروف ، وأنه في حضرة الله وفي ضيافته وفي رحابه : ويشعر أنه يقف حيث وقف الرسول عليه ـ الصلاة والسلام ـ ويسجد حيث كان يسجد .
وشاهدت مجموع تتكون من ستين حاج قيل لي : هم أفقر طائفة هندية وأنهم جاءوا إلى مكة على الأقدام ، وعلى سفن شراعية وعلى جمال ، وكان الكل يبكي بحرقة ، وعلى خطوات مني كان هناك هندي آخر تظهرعليه الفاقة ، قال لي المطوف أنه : مهراجا من أصحاب الملايين لكن في صعيد عرفات أصبح الكل من طبقة الفقراء .