طلب مشركي العرب من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في معرض عنادهم وتصلبهم تجاه الدعوة : أن يأتيهم بآية تثبت صحة نبوته . أن يحول لهم الصفا ذهباً ، وأن يجري لهم ينبوعاً ، وأن يزيح الجبال من حول مكة ، فيصير مكانها مروج وبساتين .
فأوحى الله إلى رسوله : (إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك ، فإن كفروا أعذبهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة) ؟ قال : ( بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة ) .
ولهذا قال الله لرسوله : ( قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ) أي هو المضل والهادي ، سواء بُعث الرسول بآية على وفق ما اقترحوا ، أو لم يجيبهم إلى سؤالهم ، فإن الهداية والضلال ، ليس منوط بذلك ولا عدمه .
قال الله تعالى : (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لايؤمنون ) . وقال تعالى : إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) .
فالله تعالى نصب الأدلة الكونية وهي شاهدة على تفرده بالخلق والرزق ، ثم فطر الله الناس على معرفة الخالق ، وقد أشهدهم على ذلك في عالم الذر ، وفوق ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل ، ليبلغوا منهج الله تعالى .
وترك للناس بعد هذا الحشد من الأدلة ، حرية الإختيار ، بعد أن أتضح لهم طريق الخير والشر ، فكان ينبغي لهم بعد أن حشد الله لهم هذه الأدلة والبراهين ، أن يتخذوا الخطوة الأولى .
فإذا علم الله تعالى صدق نياتهم هنا تأتي هداية : التوفيق ، والتي قبلها هداية الإرشاد والدلالة . قال بن عاشور : أن الآيات الحسية قد جاءت الأمم الأخرى فرأوها ولم يؤمنوا بها ، فهم تكبروا وأعرضوا حين سمعوا دعوة التوحيد .